خسر المغرب و فرنسا فجر اليوم حليفهما في الغابون، عندما تحرك قائد الحرس الجمهوري الجنرال بريس أوليغي نغويما، منهيا حكم عائلة بانغو، الذي استمر لأكثر من 55 عاما، في البلاد الغنية بالنفط، فقد كان إعلان فوز الرئيس المريض علي بانغو بولاية ثالثة القطرة التي أفاضت الكأس، و دفعت كبار الضباط في جيش الغابون للسير على نهج نظرائهم في النيجر.
فقد قال الضباط، الذين ظهروا على شاشة قناة غابون 24 التلفزيونية، إنهم يمثلون جميع قوات الأمن والدفاع في الدولة الواقعة في وسط إفريقيا. وأعلنوا إلغاء نتائج الانتخابات وإغلاق جميع الحدود حتى إشعار آخر، إلى جانب حل مؤسسات الدولة. وقال الضباط في رسالتهم “باسم الشعب الغابوني، قررنا الدفاع عن السلام من خلال وضع نهاية للنظام الحالي”.

وقال مصدر من العاصمة الغابونية ليبرفيل لموقع “أطلس تايمز” أن الأوضاع كانت هادئة نسبيا في العاصمة صباح اليوم، مع تحرك الآليات العسكرية باتجاه المباني الحكومية، وأضاف أن أبناء الشعب الغابوني يريدون بكل الطرق إنهاء حقبة آل بانغو، حيث حكم الأب عمر بانغو البلاد طيلة 41 عاما و حكم إبنه علي بانغو لمدة 14 عاما.
و لكن ما يحرك الغابونيين اليوم كان الرغبة في التحرر من هيمنة زوجة الرئيس، التي حكمت البلاد، مثلما كانت تفعل ليلى الطرابلسي في تونس قبل الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي عام 2011، وفق ما ذكر مصدر “أطلس تايمز” من العاصمة الغابونية اليوم.
مملكة المغرب، خسرت برحيل علي بانغو عن قصر الرئاسة في الغابون حليفا كبيرا، و صهرا لا يضاهي، فزوجة الرئيس الغابوني المطاح به هذا الصباح سيلفيا فالنتين بانغو أودينمبا، فرنسية الجنسية لكن أصولها مغربية، و قد استغلت الرباط قرابة الدم تلك، لكي تصنع لها موطىء قدم في البلاد الواقعة وسط غرب إفريقيا، و صارت زيارات الملك المغربي محمد السادس للغابون أشبه ما تكون بالنزهة العائلية.
طبعا لم يكن المغرب الخاسر الوحيد في استفاقة ضباط جيش الغابون اليوم، ففرنسا التي حافظت طيلة عقود على محميتها في المنطقة عرفت كيف تدير لعبة السياسة من وراء كواليس غرف النوم، و راحت تستخدم زوجة الرئيس علي بانغو المولودة في الكونغو يوم 03 نوفمبر 1963، بطريقة لم تكن تستعملها مع والده الراحل الحاج عمر بانغو، الذي كان عهده يتميز بالدكتاتورية و الرخاء، عكس نجله الذي ورثه على سدة الحكم لعهدتين.
فقد كان علي بانغو مصابا بجلطة دماغية عام 2018 منعته لأشهر من إدارة شؤون البلاد، فوجدت زوجته المغربية الباب مفتوحا، لتبسط نفوذها بوحي من الدسائس التي ينسجها عرابوها في بلاط المخزن المغربي و في صالونات باريس المظلمة. لدرجة أنها صارت تتحكم في زيارات إخوة الرئيس علي بانغو و أفراد عائلته للقصر الرئاسي، و منعت حتى بعضهم من الوصول إليه، وفق ما نقل مصدر “أطلس تايمز” من عاصمة الغابون.
فالسيدة الأولى في الغابون تزوجت نجل الرئيس السابق المطاح به اليوم، عام 1989 قبل عشرين عاما من اعتلائه سدة الحكم بوفاة والده في 16 أكتوبر 2009، وهي تحمل شهادة متقدمة في إدارة الشركات من فرنسا، عادت إلى الغابون، وقد كانت تعمل في منصب نائب المدير العام لشركة عقارية تعتبر الأكبر في البلاد، وتم تعيينها عن التسويق والتنمية الاقتصادية في شركة غابون إيموبيليي.
و كان المغرب قد ربط علاقات وثيقة مع الغابون منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان يتباهي بصداقته مع الرئيس الغابوني عمر بانغو، و قد ران صمت ثقيل اليوم في أرجاء قصور الرباط الملكية، التي لم تنبس ببنت شفة حيال ما جرى في مدينة ليبرفيل، عاصمة الغابون، لأن المملكة المغربية تعرف جيدا وزن الحليف الذي فقدته بانقلاب قادة الجيش، فقد فتحت الغابون قنصليتها في مدينة العيون بإقليم الصحراء الغربية المحتلة في جانفي 2020، و تلقت رشوة مقابل ذلك، في شكل هدية من الملك المغربي، تمثلت في ألفي طن من الأسمدة.
كما كانت الضربة الأولى من قائد الحرس الجمهوري الجنرال بريس أوليغي نغيما موجهة مباشرة تجاه باريس، حيث تم منع شركة إيراميت الفرنسية الكبرى، التي تتولى تنفيذ مشاريع التعدين في البلاد من مواصلة العمل، و توقفت جميع أنشطتها، كرسالة من القادة الجدد في البلاد على عزمهم الاستفادة من ثروات بلادهم لصالح الشعب الغابوني، في سياق استفاقة وطنية لعدد من شعوب القارة السمراء الرافضة لاستمرار الهيمنة الفرنسية.
وقرأ أحد الضباط البيان المشترك بينما وقف أكثر من عشرة خلفه في صمت وهم يرتدون الزي العسكري. وقدم الضباط أنفسهم بصفتهم أعضاء في لجنة الانتقال واستعادة المؤسسات. وشملت مؤسسات الدولة التي أعلنوا حلها الحكومة ومجلس الشيوخ والجمعية الوطنية والمحكمة الدستورية ومركز الانتخابات.